منشأ التكوين
إن الفكرة بداية كل شيء موجود في عالمنا، والأفكار كثيرة، تقريباً كلها، إلا قليل جداً، ليس نابعة منا، فهي تحوم حولنا كموجات الفضاء التي تحمل صوراً وأصواتاً، نسميها إذاعات وفضائيات، فنلتقط منها ما يتناسب مع ذبذباتنا. ليس كل إذاعة وقناة يمكنك أن تلتقطها، هناك قنوات مشفرة وقنوات بعيدة وقنوات تحتاج ديش مختلفاً... ما تلتقطه يجب أن يناسب منهجيتك الفكرية في الداخل. منهجيتك مسألة كبيرة وخطيرة، ممكن أن تؤدي بك لحياة سعيدة وفيرة ناجحة صحية متنوعة ومرضية، وممكن أن تؤدي إلى حياة تعيسة شحيحة فاشلة مريضة محصورة وغير مرضية. وبين هذين الطرفين الأخذ من هنا وهناك
منهجيتك الفكرية، أو الفلسفة التي تتبناها، أو الاعتقاد، هو مجموعة من العادات، والعادات هي مجموعة من السلوكيات، والسلوكيات هي مجموعة من القناعات، والقناعة مصدرها فكرة؛ فالفكرة لو تبنيتها ودللت عليها ببراهين تصبح قناعة، والقناعة تنشأ سلوكاً، ومجموعة من السلوكيات المتكررة تصبح عادة، والعادات هي التي تشكل شخصيتك
الفكرة ---> قناعة ---> سلوك ---> عادة ---> شخصية ---> مسار ونتائج الحياة
بعدها يصبح الإنسان يلتقط الأقرب من الأفكار والمفاهيم والقناعات المنسجمة مع فكره وشخصيته. مثال: لو أن شخصا تبنى شخصية المتسيب اللاهي المتشرد بأفكاره، مثلاً، وشعاره في الحياة: دعنا نمرح ونلعب، فإن الأفكار التي تدعو للنجاح وتحقيق الإنجاز وطلب العلم والتنظيم الفكري والحرية المسؤولة لن تنسجم معه، وسيجد المبرر لردها. لو أن شخصاً منهجه في الحياة أن الإنسان المؤمن مظلوم ومحارب، وهو قد تبنى خط التدين، فسوف يلتقط كل فكرة تدعم هذا المنهج، من معاناة الأنبياء والصالحين إلى الأحاديث والآيات التي يراها من ملتقطه أنها تثبت ظلم العباد والبلاد وأن عليه أن يستمر يجالد الظلم إلى يوم القيامة أو حتى يأتي أحد مرتقب كالمهدي أو المسيح أو كريشنا أو زاردشت أو الخليفة الرباني أو المجدد أو التكونا أو بودا جديد
أن تعرف منهجيتك في الحياة بوعي يعني أن تعرف مصيرك ومسارك ونوعية حياتك القادمة
*********
لو أردت الانتقال للموضوع مباشرة فاقفز لما بعد النجمات؛ لأن ما بين النجمات كلام مفصل ليس بالضرورة له علاقة في موضوعنا
رأيي في خلود الكافرين في النار
أعطيك مثالاً حصل قبل يومين، وهي فرصة أبين فيها موقفي، فقد سألني شخص في تويتر عن خلود الكافرين في النار، فذكرت له أني لا أتبنى هذا الرأي، وأميل لقول من قال بفناء النار وبالتالي خروج كل من فيها إلى الجنة. هذا الرأي ينسجم مع شخصيتي وتوجهي وفكري ومنهجيتي، حيث أني أعتقد بأن الله سبحانه أعدل العادلين وأرحم الراحمين فكيف يعذب إنساناً عاش مثلاً عشرين سنة بكفر لمدة زيليون ترليون مليون ولا نهاية بسبب عشرين سنة؟! باعتقادي المتواضع هذه مسألة لا تنسجم مع فهمي للذات الإلهية. هي مثل لو طفلك قام بخطأ جسيم تجاهك أو تجاه نفسه أو المجتمع فقمت أنت بمعاقبته طوال حياته بسبب هذا الخطأ! هذه قسوة في العقاب. مثل شخص تعدى إشارة المرور الحمراء ثم حكم عليه القاضي بالإعدام! أو شخص جرف جريمة قتل أو خيانة دولة فحكم عليه القاضي بالتمثيل في جثته لمدة ألفين سنة مستمرة دون توقف من جيل إلى جيل! هذا حكم قاسي ولا معقول
مع ذلك فالحكم في مسائل العقيدة ليس للعقل ولا المنهجية لأن هذه المسألة مسألة غيبية وعمومية قد لا يدرك العقل فيها الحكمة الواسعة والشاملة؛ فقد يكون هناك حكمة لا أدركها أنا اليوم والآن لكنها يقيناً مفسرة من قبل الله سبحانه أنها حكيمة مهما كانت؛ فالله سبحانه منزه عن الخطأ، وأموره كلها حكمة. وأنا شخصياً أعتقد بهذا وأعلم أن لله نظاماً عادلاً حكيماً فوق تصوري وأنا أثق بذلك. ولهذا رغم تصادم ذلك مع شخصيتي التي لا تدرك الحكمة فقد تبنيت فكرة خلود الكافر في النار لحكمة لا أعلمها. لكني وأنا في بداية العشرينات لما قرأت "الفتاوى"، وقد قرأتها كلها 36 مجلداً، وأنا صغير وحفظت معظم فتاوى بن تيمية آنذاك، وكنت أسردها للسائل إذا أراد رأي شيخ الإسلام، أقول لما قرأت"الفتاوى" للإمام بن تيمية رحمه الله، وبالأخص في مجلد العقائد، على ما أذكر، رأيته يذكر هذا الرأي ثم يتوقف عنده، أي لا يبت في المسألة بعد أن ذكر حجج الطرفين، ثم تتبعت القراءات فوجدت كثيرين من علماء المسلمين يقولون بذلك، وينسبون الرأي لعمر، رضي الله عنه، كما ذكر بعض المفسرين ذلك في تفسير للآية: (لابثين فيها أحقاباً) أي سيخرجون، وأنه لابد للأحقاب - الأزمنة - أن تنتهي. ثم قرأت كتاب "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" للإمام ابن قيم الجوزية، وكنت مولعاً بكل كتب ابن القيم، وقرأت العشرات منها. وهذا الكتاب بالذات و"مدارج السالكين" لهما أثر كبير علي وعلى تشكيل شخصيتي. أقول لما قرأته وقرأت رأيه في المسألة، ورده على من زعم أن من قال بذلك مبتدع. قال: "فقولكم أنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم". وقال: "والذي أخبر به أهل السنة في عقائدهم هوالذي دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف أن الجنة والنار مخلوقتان وأن أهل النار لا يخرجون منها ولا يخفف عنهم من عذابها العذاب ولا يفتر عنهم وأنهم خالدون فيها، ومن ذكر منهم أن النار لا تفنى أبدا فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها ولم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها قالوا وأما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق، وأما أصل الثواب والعقاب فهل يعلم بالعقل مع السمع أو لا يعلم إلا بالسمع وحده، ففيه قولان لنظار المسلمين من اتباع الأئمة الأربعة وغيرهم، والصحيح أن العقل دل على المعاد والثواب والعقاب إجمالا وأما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع، ودوام الثواب والعقاب مما لا يدل عليه العقل بمجرده وأنما علم بالسمع، وقد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب المطيعين وأما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين، وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع من جانبه فهو أسعد بالصواب وبالله التوفيق". هنا، فرحت، فعلى الأقل أن في المسألة خلافا. والمسألة خلافية فرعية، ولذلك لم يتناولها الإمام ابن تيمية في "العقيدة الواسطية"، و"العقيدة الواسطية" هو مؤلف كتبه ابن تيمية في "واسط" في العراق، وتبناها معظم السنة، بالذات من هم على منهج السلف الصالح، على أنها عقيدتهم. وذكرها الإمام أبوجعفر أحمد الطحاوي، شيخ الحنفية في مصر وإمامهم، والإمام الطحاوي كتب "العقيدة الطحاوية" نسبة إليه، وهو مصنف يفوق مصنف "الواسطية" بأضعاف من ترتيبه وعمقه وشرحه، وأيضاً تبناه السنة كأصل في شرح عقيدتهم، بما في ذلك السلفيون اليوم، ومنهم الشيخ الألباني والشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين، رحمهم الله. وفيه مقولته الشهيرة: "ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه"، ولم يختلف عليه كمرجع سوى في تعريفه بالإيمان عندما قال: "والإيمان: هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان"، أضافوا: "وعمل بالأركان"، وأقروا بقيته. وللشيخ بن عثيمين والشيخ الألباني وعشرات من مشايخ المنهج السلفي والإخواني والصوفي بالذات من الأحناف شروحات. وأفضل الشروحات شرح أبوالعز الأذرعي الحنفي، قرأته وعمري 24 سنة، وكنت أسمّع فيه العقيدة حفظاً. ذكرت هذا الكلام لأن كثيرين سألوني عن أفضل الكتب في العقيدة، وعن عقيدتي التي أتبناها. ومع ذلك فالطحاوي وضح أن الجنة والنار باقيان خالدان. فههنا قولان لعمدتين في العقيدة، إمام عدها من العقيدة وإمام لم يذكرها من أصول العقيدة
أقول ورغم أننا نقر ونؤمن بوجود الجنة والنار، ونقر بأبدية الجنة والنار إلا أن اختلافنا في "الأبدية". هل هي لا نهاية؟ أم هي أحقاب؟ أم هي شيء آخر؟
لو قال شخص بل القرآن واضح يقول (خالدين فيها أبداً) وقد كررت كثيراً، (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض)، (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون)، وقوله: (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)، مائدة/37، وغيرها من الآيات الكريمة
يقال لهم: لا خلاف في الأبدية والخلود، الخلاف في معنى اللفظ
فإن قيل: لا خلاف فاللفظ هو خلود أبدي لا نهاية له
قيل لهم: وما تقولون في العاصي من المسلمين؟ هل يخلد في نار جهنم؟
فإن قيل: نعم، فالمجيب يتحدث من فكر الخوارج، ليس على الموجود لا في الطحاوية ولا في الواسطية ولا عند الأشاعرة والماتريدية ولا عند الشيعة ولا غيرهم
وإذا قال: بل يخرج كل عصاة المؤمنين ولو طال بهم الزمن
قيل له وما تقول في قوله تعالي: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/14؟! ههنا آية في خلود العاصي في النار، وبها وبغيرها استدل الخوارج على خلود العصاة في النار. وما تقول في القاتل من المسلمين، هل يخلد في النار؟ فإن قيل لا، قيل له: وما قولك في قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/93، وغيرها من الدلائل
والخلود عند العرب يعني التمكين. أي يمكن له في جهنم مكاناً. و"خالدا فيها" أي ماكنا فيها. والكلام طويل وفيه تفصيل كبير، وله دلالات كثيرة، ومع ذلك تبقيه محل الغيب، ففي تلك المسائل نحن لا نقول إلى ما يقوله لنا الله في ذلك، والله أخبرنا بأنهم خالدين فيها، لكنه لم يقل أنه وبعد فناء النار، إذا فنت، يخلق ناراً جديدة، بل بينت الأحاديث عكس ذلك، ومنها حديث: "يأتي على النار زمان تخفق أبوابها، وينبت في قعرها الجرجير"، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، كما سيأتي وبأنه لا يرى بفناء النار: "وهو حسن السند صالح للاحتجاج به"، وحديث: عبدالله بن عمرو: "يأْتِي عَلَى النَّارِ زَمَانٌ تَخفِقُ أَبْوَابُهَا وَلَيْسَ فِيْهِ أَحَدٌ"، قال الشيخ الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفةِ " (2/72) في الحكم على الأثر: "قال الحافظُ : "كذا فيهِ، ورجالهُ ثقاتٌ"، وفيه زيادة: "يعني من الموحدين"، لكن الزيادة قال عنها الألباني وابن حجر: "لا نعلم ممن؟!"، يعني ليست من كلامه صلى الله عليه وسلم
وقد رويت عن الصحابة بعض الآثار التي تدل على ذالك والتي يمكن أن يفهم منها ذلك كأثر عمر بن الخطاب المتقدم، وأثر بن مسعود في أن "أهل النار لو داموا فيها قدر رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه منها"، و"أنها يوشك أن يمر عليها يوم تصفق فيه أبوابها من قلة الداخلين فيها"
ومن الدلائل العقلية: عدم ورود أي نص قرآني يحدد الزمن للجنة، بينما ورد ذلك في النار؛ في قوله تعالى: (لابثين فيها أحقاباً)، ولهذا فهمها بعض الصحابة بعمق، فقالوا بانتهاء زمانها ولو بعد أزمنة. وقالوا في قوله تعالى: (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)، فلم ينفي إرادتهم بالخروج، وتشير إلى حصوله لو شاء لهم سبحانه، عندما يأذن، وقوله (ذوقوا) والتذوق دليل الوقتية
والقول بدوام الخلود للجنة والنار هو في الأصل قول الأشاعرة، ولا ينفي أن كثيرين من المنهج السلفي القديم يقولون به أيضاً، وهو رأي ناصره بشدة الإمام أبوالحسن الأشعري في مذهبه القديم والجديد وفي مقالاته، ولذلك شدد الإمام ابن حجر العسقلاني (وهو أشعري العقيدة) في الرد على ابن تيمية في هذه المسألة، وزاد: "وهو مذهب رديء مردود على قائله"، يقصد ابن تيمية، وأيضاً الإمام السبكي في ردوده المطولة، وهو أيضاً أشعري، وتقريباً كل علماء الأزهر يقولون به، كون علماء الأزهر أشاعرة العقيدة في الغالب، وأنا شخصياً ليس عندي أي إشكال في العقيدة الأشعرية ولا الماتريدية، فهو منهج عقدي عميق وحكيم، ولا أتبناه، لكن فقط أنبه كيف أن البعض من متبعي المنهج السلفي في العمق خلاف ما يدعون له ويعتقدونه، وما ذلك إلا لقلة اطلاعهم وشدة تعصبهم لمشايخهم لدرجة التقديس، وهذا الأمر من دقائق الدقائق التي انتبه لها ابن تيمية وابن القيم لينبه عليها في الفروقات بين الإشاعرة والماتريدية من جانب وبين المنهج السلفي القديم من جانب! وقل من ينتبه لها، لهذا قال ابن القيم، رحمه الله، فيما نقلت له: "فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها ولم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها"؛ لأن ابن القيم تعلم من استاذه الذي لم يكد يخالفه البحث والتمحيص في الدقائق، الأمر الذي يغفل عنه التُبّع النقلة، ليس لهم دقة في النظر ولا تمحيص، ينقلون الكلام بحذافيره وأخطائه اللغوية والإملائية، تجدها في ألف موقع بنفس الخطأ! والذي يقصده ابن القيم، الذي أكد أن هذا القول هو ترجيح شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في الكتاب المذكور سابقاً وذكر أنه قال بذلك عند رده على جهم بن صفوان، وفكر الجهمية؛ فابن القيم يشير إلى أن هؤلاء خلطوا الأمور، لما رأوا أن أهل البدع قالوا بفناء الجنة، نفوا هم فناء الجنة والنار. وقد استدل ابن القيم بعشرات الأدلة على بقاء الجنة، وكان يكفيه، رحمه الله، أن يقول أن الله لم يحدد البقاء بزمن ولا مرة واحدة في القرآن الكريم أو أن يذكر الآية (عطاء غير مجذوذ) أي غير متوقف، كما يفهمها العرب بسجيتهم، لكن أطنب في "حادي الأرواح" وانتعش وهو يحلق في رحاب الجنة في الحديث المطول. فهم، برأي ابن القيم، لما رأوا هذا من المبتدعة اختلط عليهم الأمر فنفوا الأثنين معاً! ثم زاد: "ولم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها"، متأولاً لهم، ثم زاد: "وأما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق"، سبحان الله، يرد عليهم بأنهم استخدموا العقل في هذه المسألة وليست القرآن والسنة والآثار! ما أدقه في هذا التعبير، لو قرأ للمعاصرين المتواضعين في البحث والعلم عندنا لصدم! ضحالة بالغة في التفكير والتكفير، فما أشبه اليوم بالبارحة
والعودة في القول فإن بعض طلبة الإمام محمد بن عبدالوهاب كانوا يقولون بهذا القول أيضاً، بل بعض أحفاده،؛ فعائلة الإمام (وتسمي عائلة آل الشيخ، أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب) عائلة علمية عميقة وغزيرة، وكانت تقود جحافل العلم في كل الجزيرة في وقت عمت فيها الجهالة وأطبقت، فقادوا نشر العلوم الشرعية بالذات بعد قدوم حكم آل سعود في الجزيرة. ومنهم كان الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم وأخيه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، لكن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، وهو شخص مؤثر جداً وعالم كبير، هو الذي غير رأيهما، فقد كان منهج فناء النار يدرس في السعودية، بل حتى أن المشايخ المصريين الذين كانت تستعين فيهم السعودية من الأزهر أحياناً للتدريس يقولون بذلك احتراماً لمذهب ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب! وقد ذكر الشيخ أحمد بن محمد الشنيقطي مناظرة في ذلك عن أبيه مع الشيخ المصري الذي احتج على الشيخ الشنقيطي لقوله بخلود الكافرين بالنار معللاً ذلك بأنه مخالفاً لعقيدة بن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب (انظره في مجالس مع فضيلة الشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي)! ولم ينكر عليه هذا الاستدلال لا الشيخ الشنقيطي ولا الشيخان من آل الشيخ، مما يعني أن الرأي كان يتبناه أبناء الإمام من آل الشيخ ويدرسونه. فمذهب ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وابن القيم هو القول بفناء النار، فلو أن شخصاً كفر أو بدع شخصا يقول بهذا الرأي فقد اتهم الأئمة الثلاثة الكبار هؤلاء، وأنا على عقيدة هؤلاء في هذه المسألة
وباختصار، القول بفناء النار رأي محترم، لا تقول به الغالبية، لكنه كان ترجيح لابن القيم وابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وينسب لجمع من الصحابة والتابعين، من قال به فهو محترم، مقدر، ومن قال بالرأي الثاني من اجتهاد قام به فهو أيضاً محترم، ولكن الحكم ليس لهذا الفريق ولا ذاك، بل الحكم لله، والله أبرك وأعظم وأكرم وأرحم من أرحم إنسان مخلوق، ولأن هذا المنهج لا يوافق الكثيرين فقد أبطلوا الكلام كله بنسبته لابن القيم وابن تيمية وابن عبدالوهاب! ومن العجيب رد الكتاب بالكامل كما فعل الشيخ أبوبكر بوزيد، رحمه الله، ومثل ذلك قاله البعض في "مدارج السالكين"، وكأن ابن القيم كان أصلاً معروفاً، بل لا يعرفه أحد، ولم يعرفه أحد حتى جاء الشيخ محمد حامد الفقي، رحمه الله، شيخ السلفية في مصر، ومؤسس الجماعة المحمدية، فنشر مخطوطاته، فهو صاحب الفضل في وصول مخطوطاته ومؤلفاته العميقة والجميلة لنا، فلماذا ينسب كتاب لشخص أصلاً غير معروف؟ بل وقالوا أن هذا الكلام منسوب لابن تيمية، طب يا أخي، احذفوه من مجموع الفتاوى! وهذا يذكرني وأنا أقرأ كتاب "مدارج السالكين"، وكنت وقتها مراهقاً، بتعليقات الشيخ الفقي، مررت على "منزلة الزهد" فعلق الشيخ الفقي بأنه ليس هناك زهد، وأن هذا المنهج لا يصح، ورد القولة، وقال أنها ليست قولة نبوية بل اخترعها المتأخرون، واستغربت، فلما تبحثت في الحديث، وكنت وقتها أدرس أصول الحديث، وجدت حديث: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس"، (والحديث صححه الألباني في الأحاديث الصحيحة)، واللفظ ثابت عن بعض التابعين والصحابة
وأقول أني بسبب ميلي للسلام والمحبة المطلقة والفكر المتفتح ملت بطبيعتي لهذا الرأي، كونه يمثل شخصيتي، وقريب من فكري، والناس تميل للآراء المنسجمة مع فكرها.
الحديث في الدين
وما دام تكلمنا عن هذا الموضوع باسهاب، فإني أود التنبيه لمسألة، وهي أن البعض أحياناً ينزعج من الحديث في الدين! يعتقد أن الدين الإسلامي دين معابد، لا يحق للتحدث عنه إلا الكاهن أو القسيس، وأنا أختلف معه في ذلك، بل أدعو جميع أحبتنا لعدم الاستسلام لهذه الفكرة الكهنوتية بترك الدين لرجال الدين، بل على كل من لديه ملكة البحث والتحري أن يستمر في البحث والتفحص ويبين للناس. لكن قد تكون هناك خاصية للإفتاء فيها وجهة نظر صحيحة، لكن فهم الدين مسألة شخصية يجب عليك أن تبحثها ولا ترضى بالتلقي والبرمجة. كما بينت هنا أن الكثيرين منهم حتى مع من يزعم أنه على منهج السلف يخالف حتى منهجه، وأنا رأيت كثيرين كذلك ممن على منهج الشيعة يخالف منهجه، وكثيراً ما صححت لهم أن ذلك لا يتناسب ومنهجيتك إن كانت صادقاً، وقل مثل ذلك في البقية. ويرددون جملة هم مبرمجون عليها وهي: "من تحدث بغير فنه أتى بالعجائب"، وهي مقولة يرددها متواضعي العلم؛ لأنهم بدون علم أصلاً ولا فن، وأنا شخصياً مفكر وباحث لا أرتضي القول من أي شخص دون تمحيص، وبعد التمحيص أقول رأيي، فما أصبت به فمن الله الذي وفق لذلك، وما أخطأت به فالله سبحانه يغفر للمجتهد اجتهاده وخطأه. وعليك أن تجتهد في معرفة الحقيقة مني ومن غيري، حاضراً ومن التاريخ. من الخطر أن تستجيب لهذا الفكر الداعي لسماع حفنة قليلة من الناس، لو كان كذلك فكيف تعرف إذا كنت على خطأ أنت وهم؟! عليك أن تنوع مصادرك وإدراكك قليلاً قليلاً وبرفق، حتى لا تكون مصيدة بيد المتعصبين المتحجرين بآرائهم، ويدلك على خطأ منهج الشخص اتهامه المستمر بغير علم ولا حجة، واستهزاءه بالآخرين. ثم انبه على بعض الناس غير المستحسنين مني التحدث بغير موضوعات التنمية الذاتية إلى أني أشكرهم على رغبتهم هذه، لكني لا أعرف هذه الفروقات والتجزءات، أنت خذ ما تريد واترك ما لا تريد. كما أني أرحب بالحوار العلمي المحترم وأقدره، لكني لا أسمح بالجدل ولا بقلة الأدب، لذا فاسأل ما بدا لك، وبين رأيك ما بدا لك، ورأينا نعتقد أنه صواب لكن يقبل الخطأ، وإذا ثبت عندنا الخطأ نغير، وكثيراً ما فعلت ذلك
*********
حدد فلسفتك / منهجيتك في الحياة
تحديد المنهجية يجعلك تلتقط القناعات من هنا وهناك المنسجمة مع منهجيتك. لا إشكال في التغيير والتهذيب والتعديل على المنهجية والفلسفة التي تتبناها مع مرور الأيام عندما يتبين لك الأفضلية، لكن يجب أن تحدد خطاً ومساراً تسير عليه. المنهجية هي مجموعة من القناعات تجاه طريقة العيش. أنا أفضل أن يختار الشخص منهجاً أيا كان ما دام ليس فيه ضرر للآخرين، ويفضل أن يكون وسطاً بين المناهج بشكل عام، ثم يستمر يهذب فيه لحين ما يرتاح للحقيقة. الحقيقة مريحة، سارية، لها نتائج على الداخل والخارج. بعد التهذيب له أن يتدفق في العمل في المنهجية مع التطوير المستمر لها، حتى لو لم تبدو وسطاً للجميع، لكن يجب ألا تبدو تطرفاً للجميع
ناقشت تحديد القناعات والقيم والمنهجية في "برنامج سلام للتغيير الذاتي"، فشاهده في اليوتوب
التعليقات : 1
Casino Bonus Codes - December 2021
No deposit 출장안마 bonus casino poormansguidetocasinogambling.com promotions. We recommend 2021 casino bonus ventureberg.com/ codes and promos for https://septcasino.com/review/merit-casino/ new players. We also herzamanindir.com/ list new casino bonuses for December 2021.
إرسال تعليق
أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.